مناط مسئولية وزارة الداخلية
مناط مسئولية وزير الداخلية ليس في غياب رجال الأمن عن مكان الحادث بل بعدم قيامهم بواجباتهم المفروضة عليهم والتي تواضع الناس على إدراكهم إياها متمثلة في امتناعهم أو تقصيرهم عن القيام بواجبهم في ضبط ومراقبة الخارجين على القانون .
حيث إن مما ينعاه الطاعن الثاني بصفته - وزير الصحة - على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أنه دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة استناداً إلى أن مستشفى ... للصحة النفسية والعقلية أضيفت تبعيتها إليه بعد الحادث بالقرار الصادر من رئيس الجمهورية برقم 331 لسنة 1997 فلا تسأل عن خطأ وقع من القائمين عليها قبل التاريخ وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض هذا الدفع وبمساءلته عن التعويض فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن مفاد نص المادة 174 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن علاقة التبعية تقوم على توافر الولاية في الرقابة والتوجيه بحيث يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أدائه لعمله وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته على الخروج عليها فقوام علاقة المتبوع بالتابع هو ما للأول على الثاني من هذه السلطة الفعلية من الناحية الإدارية أو التنظيمية، وأن العبرة في تحديد المتبوع المسئول عن خطأ التابع هي بوقت نشوء الحق في التعويض وهو وقت وقوع الخطأ الذي ترتب عليه الضرر الموجب لهذا التعويض، ولا يغير من ذلك انتقال هذا التابع إلى رقابة وتوجيه متبوع آخر أو انتهاء هذه التبعية بعد ذلك. لما كان ذلك، وكان تمثيل الدولة في التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو فرع من فروع النيابة القانونية عنها وهي نيابة المرد في تحديد مداها إنما يكون بالرجوع إلى مصدرها في القانون، فإذا ما أسند صفة النيابة فيما يتعلق بشئون هيئة معينة أو وحدة إدارية معينة إلى غير الوزير الذي تتبعه فيكون لمن أسند إليه هذه الصفة حينئذ هذه النيابة في الحدود التي يعينها، وكانت المادة الأولى من القانون 43 لسنة 1979 في شأن الحكم المحلي المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 قد نصت على أن "وحدات الحكم المحلي هي المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى ويكون لكل منها الشخصية الاعتبارية" كما نصت المادة الرابعة من ذات القانون على أن "يمثل المحافظة محافظها كما يمثل كل وحدة من وحدات الحكم المحلي الأخرى رئيسها وكذلك أمام القضاء وفي مواجهة الغير" وكان المشرع قد نص في المادة الثانية من قانون نظام الحكم المحلي سالف الذكر على أن "تتولى وحدات الحكم المحلي في حدود السياسة العامة والخطة العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها كما تتولى هذه الوحدات كل في نطاق اختصاصها جميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها وذلك فيما عدا المرافق القومية أو ذات الطبيعة الخاصة التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية وتحدد اللائحة التنفيذية المرافق التي تتولى المحافظات إنشاءها وإدارتها والمرافق التي تتولى إنشاءها وإدارتها الوحدات الأخرى للحكم المحلي" والمادة 55 منه تنص على أن "يكون لكل مدينة رئيس له سلطات وكيل الوزارة ورئيس المصلحة في المسائل المالية والإدارية بالنسبة لأجهزة وموازنة المدينة على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية ..." ثم تضمنت المادة السادسة من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 لسنة 1979 النص على أن "تتولى الوحدات المحلية كل في دائرة اختصاصها الشئون الصحية والطبية وإنشاء وتجهيز وإدارة الوحدات الطبية في إطار السياسة العامة وخطة وزارة الصحة" فإن مؤدى ذلك أن رئيس الوحدة المحلية للمدينة هو المشرف على الوحدات الطبية ومنها المستشفيات العامة الواقعة في دائرة اختصاصه من الناحية المالية والإدارية وبالتالي فهو صاحب الصفة في تمثيل وحدته أمام القضاء وله وحده - دون وزير الصحة - الرقابة والإشراف على العاملين بتلك المستشفيات والوحدات الطبية ومحاسبتهم على الخروج عليها وبالتالي تتحقق بالنسبة له صفة المتبوع في مدلول حكم المادة 174 من القانون المدني ويلزم بتعويض الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الضرر الذي لحق بالمطعون ضدهما والذي صدر الحكم المطعون فيه بتعويضهما عنه قد وقع في تاريخ وفاة مورثهما في 5 /12 /1994 بخطأ أحد العاملين بمستشفى .... للصحة النفسية والعقلية وقت أن كانت تلك المستشفى الكائنة بمدينة الإسكندرية تابعة لإحدى وحدات الحكم المحلي المبينة في القانون دون الطاعن الثاني بصفته - وزير الصحة - والذي لم تنتقل إليه هذه التبعية بالنسبة للمستشفى المذكورة إلا منذ تاريخ العمل بالقرار الجمهوري رقم 331 لسنة 1997 الصادر في 21 /9 /1997 ولا ينال من ذلك ما تضمنته المادة الثانية من هذا القرار الأخير باتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل الاعتمادات الواردة بالموازنة العامة للدولة والخاصة بالمستشفيات المشار إليها في المادة الأولى ومنها مستشفى ..... للصحة النفسية والعقلية إلى موازنة وزارة الصحة والسكان لأن هذا النص ليس فيه ما يفيد انتقال التزامات المستشفيات الواردة به والمترتبة في ذمتها قبل صدوره إلى وزير الصحة والسكان أو أن هذا الأخير يعتبر خلفاً عاماً أو خاصاً للوحدات المحلية المشرفة على تلك المستشفيات أو أنه حل محلها حلولاً قانونياً مما يترتب عليه أيلولة جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بهذه المستشفيات إليه ومن ثم تبقى حقوق الدائنين لهذه المستشفيات قائمة قبلها وقبل الوحدات المحلية التابعة لها والتي ترتبت في ذمتها قبل صدور القرار المذكور وإذ خالف الحكم الابتدائي مؤيدة أسبابه بقضاء الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه برفض الدفع المبدى من الطاعن الثاني بصفته - وزير الصحة - بعدم قبول الدعوى بالنسبة له لرفعها على غير ذي صفة استناداً لنافلة من القول بقيام علاقة التبعية بينه وبين مستشفى ..... للصحة النفسية والعقلية ورتب على ذلك إلزامه بالتعويض بالتضامن معها فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى الأصلية على الطاعن الثاني بصفته يترتب عليه إلغاء الحكم الصادر في دعوى الضمان الفرعية بقوة القانون باعتباره لاحقاً له ومترتباً عليه وذلك عملاً بالمادة 271 من قانون المرافعات.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الثالث بصفته - وزير الداخلية - على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك لدى محكمة الموضوع بانتفاء مسئولية الشرطة التي قامت بضبط مرتكب الحادث فور وقوعه دون أن يصلها إخطار سابق بهروبه من المستشفى، كما أنه غير مكلف بمراقبته أو حراسته وإذ أطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفاع وألزمه بالتعويض دون أن يكشف عن ماهية الخطأ الذي ينسب لتابعه والدليل عليه والمصدر الذي استقى منه هذا الدليل فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن مسئولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع الواقع منه حال تأدية وظيفته أو بسببها طبقاً للمادة 174 من القانون المدني قوامها وقوع خطأ من التابع مستوجب لمسئوليته هو بحيث إذا انتفت مسئولية التابع فإن مسئولية المتبوع لا يكون لها من أساس تقوم عليه، ولا تتحقق مسئولية التابع التي تقوم عليها مسئولية المتبوع إلا بتوافر أركان المسئولية الثلاثة وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وإذ كان لرجال الأمن عند القيام بمهام وظائفهم واضطلاعهم بالمحافظة على الأمن العام والعمل على استتباب السكينة، وصيانة الأرواح والأموال أن يتخذوا من الوسائل ما يكفل تحقيق هذه الأغراض في حدود المعقول بل وأنه يجب عليهم أن يمتنعوا عن الوسائل المقيدة لحرية الأفراد، ما لم يكن ثمة مسوغ شرعي تقتضيه ظروف الأحوال دون أن تكون عليهم أية مسئولية في ذلك طالما لم يقم الدليل المقنع والإثبات الكافي على تقصير أو إهمال في تنفيذ هذه الواجبات، ولمحكمة النقض أن تراقب محكمة الموضوع في تكييفها للأفعال الصادرة من المدعى عليه بأنها خطأ أو غير خطأ أو قيام هذا المسوغ وعدم قيامه. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي مؤيداً بقضاء الحكم المطعون فيه بنى قضاءه بإلزام الطاعن الثالث بصفته - وزير الداخلية - مع باقي الطاعنين متضامنين بالتعويض على أنه مسئول عن الضرر الذي أحدثه تابعه بعمله غير المشروع وهي عبارة مجملة تنم عن أن المحكمة لم تحط بواقعات الدعوى كما ذكرتها في حكمها أن المتهم الذي قتل مورث المطعون ضدهما والمطالب بالتعويض عن قتله لم يكن تحت مراقبة تابع الطاعن الثالث بصفته أو في حراسته كما وأنها تنم عن أن المحكمة لم تسجل على الطاعن الثالث بصفته وقوع أي خطأ شخصي وتبين ماهيته ونوعه وهل كان عن تقصير أو إهمال من جانبه أو أحد من تابعيه أم أنه قام بما يفرضه عليه الواجب في مثل الظروف التي وقع فيها الحادث ذلك لأن مرد الأمر في هذا الخصوص ليس في غياب رجال الأمن عن مكان الحادث بل بقيامهم بواجباتهم المفروضة عليهم والتي تواضع الناس على إدراكهم إياها متمثلة في امتناعهم أو تقصيرهم عن القيام بواجبهم في ضبط ومراقبة الخارجين على القانون وإيداع المريض منهم المصحة اللازمة لعلاجه وهو ما لم يتساند إليه الحكم بدليل يقيني وإثبات كاف بما ينحسم به أمره ولم يتحقق منه بلوغ إلى غاية الأمر فيه دون افتئات منه على حقوق الآخرين. وإذ كان الثابت من الأوراق أن واقعة هروب المجنون من المستشفى إدارة الطاعن الأول لم تصل إلى علم رجال الأمن بمركز شرطة سيدي براني حسبما دلت بذلك الشهادة الصادرة عن المستشفى إلا في تاريخ لاحق لارتكاب الحادث ولم يكن في مقدور أي منهم تلافي وقوعه بما ينتفي معه ثمة خطأ يمكن نسبته لهم وهو ما يستتبع انتفاء مسئولية الوزارة المتبوعة وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وبنى قضاءه بإلزام الطاعن الثالث بصفته بالتعويض فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب مما يوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إنه لا يبين من أسباب الطعن الباقية ثمة نعي موجه من الطاعن الأول بصفته إلى الحكم المطعون فيه بما لا تقوم معه الحاجة إلى بحثها وتعين الالتفات عنها.
وحيث إن الموضوع - فيما قضى به على المستأنفين الثاني والثالث في الاستئناف رقم ... سنة ... ق صالح للفصل فيه - ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به عليهما والقضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لأولهما لرفعها على غير ذي صفة وبرفض الدعوى بالنسبة للأخير وبتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في دعوى الضمان الفرعية بعد أن زالت الخصومة في الدعوى الأصلية قبل رفعها )
( أحكام النقض المدني - الطعن رقم 743 لسنة 72 ق - جلسة 14 / 3 / 2004)