المبدأ:-
الإعتراف سيد الأدلة وأن صدور الاعتراف دون إكراه أو قسر، يجيز التعويل عليه باعتباره دليلًا من أدلة الإثبات، وأن لقاضي الموضوع متى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه أن يأخذ به في إدانة المعترف سواء أكان هذا الاعتراف صدر أمامه أو أثناء التحقيق مع المُحال للمحاكمة، سواء كان مصرًا على الاعتراف أو عدل عنه في محل القضاء أو في أحد مراحل التحقيق، اعتبارا بأن هذا من سلطة قاضى الموضوع وغير خاضع في تقديره لرقابة المحكمة الأعلى، وذلك بحسبان أنه من المسلمات القانونية أن الاعتراف سيد الأدلة، ومتى كانت المخالفة المنسوبة إلى المحال ثابتة من واقع إقراره الصحيح فذلك يغني عن أى دليل آخر
الطَّعن رقم 9253 لسنة 65 ق. عُليا جلسة 15/6/2019
وقضت المحكمة الادارية العليا في قضاء اخر بشأن الاعتراف كدليل :
ومن حيث إن الطاعن قد أقر واعترف بالعبارات الشائنة التي دونها على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) ضد رئيس الجمهورية معللاً ذلك بأنها حرية رأي وظل هذا الاعتراف قائماً منه دونه في تقرير الطعن وظل مصاحباً له طوال إجراءات التقاضي حتى لحظة حجز الطعن للحكم فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الاعتراف دون إكراه أو قسر، يجيز التعويل عليه باعتباره دليلاً من أدلة الإثبات، وأن لقاضي الموضوع متى تحقق من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه أن يأخذ به في إدانة المعترف سواء أكان هذا الاعتراف صدر أمامه أو أثناء التحقيق مع المُحال للمحاكمة، سواء كان مصراً على الاعتراف أو عدل عنه في محل القضاء أو في أحد مراحل التحقيق، اعتباراً بأن هذا من سلطة قاضي الموضوع وغير خاضع في تقديره لرقابة المحكمة الأعلى، وذلك بحسبان أنه من المسلمات القانونية أن الاعتراف سيد الأدلة، ومتى كانت المخالفة المنسوبة إلى المحال ثابتة من واقع إقراره الصحيح فذلك يغني عن أي دليل أخر .
ومن حيث إنه عن إهانة رئيس الدولة، فإنها تقع بأي وسيلة من صور العلانية ويتسع مدلول الإهانة ليشمل السب والقذف وما هو أقل من ذلك من قول أو فعل أو إشارة أو صياح يمكن اعتباره إهانة أو عيب في حق الرئيس سواء كان إعلان هذا الرأي صراحة أو إيماء أو بكتابة أو رسوم أو صور أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التعبير، وجريمة إهانة رئيس الدولة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة والعلة في ذلك أن المساس برئيس الدولة يعد مساساً باحترام وهيبة الدولة بسبب المركز الذي يتولاه في البلاد لذلك تحرص التشريعات على توفير الحماية له حتى يتمكن من أداء مهامه ومسئولياته الجسيمة في إدارة شئون الحكم والبلاد في هدوء وسكينة .
ومن حيث إن التحقق من مدلول العبارات أو الأفعال فيما إذا كانت تحوي إهانة أم لا إنما ترجع إلى قاضي الموضوع يقدرها مسترشداً بظروف الواقعة والألفاظ التي قيلت فيها زماناً ومكاناً وما إذا كانت تتضمن معنى يحمل الإساءة أو المساس بالشعور أو الحط من الكرامة، وصفوة القول أن الإهانة في حق رئيس الجمهورية تشمل كل لفظ أو معنى يتضمن المساس بكرامته أو شعوره أو الإقلال من شأنه ويدخل في هذا النطاق ما يمكن أن يكون سباً أو قذفاً على العموم وكل ما من شأنه التحقير والمساس بالشعور أو الازدراء ممن وجهت إليه، سواء كان ذلك عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية للبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن بوظيفة مدير التسجيلات الخارجية بقناة النيل للدراما بدرجة مدير عام، ونُسب إليه وفقاً لتقرير الاتهام الذي قدمته النيابة الإدارية في القضية رقم 220 لسنة 2016 كتابة عبارات شديدة الإهانة والسب لشخص رئيس جمهورية مصر العربية على صفحته الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) على النحو الوارد بالحكم المطعون فيه وتتعفف المحكمة عن ذكر تلك الألفاظ المشينة أو ترديدها في صفحات حكمها وكان كتابته لتلك الألفاظ المُجرمة بمناسبة إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية المتضمنة جزيرتي تيران وصنافير مرفقاً بها صورة رئيس الجمهورية وصورة سفير المملكة العربية السعودية، ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً باعترافه وإقراره، وهو خروج منه على واجبه الوظيفي في سوء الألفاظ المستخدمة التي تنطوي على تطاول لفظي وهو في موقع إعلامي حساس كان يجب عليه الالتزام الوظيفي في التخاطب مع رؤسائه فما باله بمخاطبة رئيس الجمهورية رمز الدولة، ويكون ما نشره الطاعن عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) من عبارات وألفاظ السب والإهانة لرئيس الجمهورية ما يفقده الثقة والاعتبار اللازمين لتولي الوظائف العامة والاستمرار فيها، الأمر الذي يشكل في حقه ذنباً إدارياً جسيماً يستوجب مجازاته عنه تأديبياً بما يردعه عن تنكبه جادة الصواب، ويكون مجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة هو الجزاء الأوفى، ويكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه حقاً وصدقاً، ويغدو الطعن على الحكم المطعون فيه لا سند له من القانون ولا ظل له من الواقع متعين الرفض.
ولا يجوز الحجاج، بما تذرع به الطاعن من أن ما كتبه على صفحته الشخصية الفيس بوك من عبارات مشينة في حق رئيس الجمهورية أنه رأيه الشخصي في مسألة جزيرتي تيران وصنافير وهي قضية وطنية تخص الأمن القومي ولا يجوز مساءلته عن رأيه الشخصي خاصة أنه خارج العمل ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الموظف العام ملزم بأداء واجبات وظيفته وعدم الخروج على مقتضياتها، وأن أداء واجبات الوظيفة قوامه القيام بالواجبات المنوطة به بموجب بطاقة وصف الوظيفة التي يشغلها وما يكلف به من رؤسائه وأن الخروج عليها أو الإخلال بها يقييم مسئوليته التأديبية ويوجب مجازاته. كما يتوجب أيضاً على الموظف العام عدم الخروج على مقتضيات وظيفته وهي الواجبات التي يتعين الالتزام بها خارج نطاق وظيفته وخارج دائرة عمله بحسبان أنها تمسه في كرامته وتحط من اعتباره وتورده مواطن الشبهات ويمتد هذا بوصفه موظفاً عاماً إلى وظيفته والمرفق الذي ينتمي إليه فتلقي عليهما ظلالاً من سوء ما ارتكبه الموظف من مسلك معيب خارج نطاقهما وهو أيضاً ما يقيم مسئوليته التأديبية ويجيز مجازاته عنها وتسجل المحكمة- وهي تتبوأ قمة محاكم مجلس الدولة- أنه إذا كان الدستور قد انحاز إلى الحرية الشخصية في التعبير في كل أمر يتصل بالشئون العامة، بحسبان أنه لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون وأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، إلا أنه يتعين أن تكون ممارسة الحرية الشخصية في التعبير في إطارها المشروع دون إهانة أو إساءة أو تطاول، بحسبان أن حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره من أفراد المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون أن تجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع، فليس جائزاً أن يكون سوء القصد قد خالطها، فحرية التعبير عن الرأي حق دستوري إلا أن ما رمى إليه الدستور هو ألا يكون الرأي الشخصي أو النقد منطوياً على أراء تنعدم قيمها الاجتماعية، كتلك التي تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية، أو التي تكون منطوية على الفحش أو محض التعرض بالسمعة. كما لا تمتد الحماية الدستورية إلى آراء تكون لها بعض القيمة الاجتماعية، ولكن جرى التعبير عنها على نحو يصادر حرية النقاش أو الحوار، كتلك التي تتضمن الحض على أعمال غير مشروعة تلابسها مخاطر واضحة تتعرض لها مصلحة حيوية، ومن ثم يتعين أن يكون الخطاب لرئيس الجمهورية مجرداً من غرض الإهانة أو التجريح أو التهوين من قامة ومقام رئيس الجمهورية .
* المحكمة الإدارية العليا - الطعن رقم 86584 لسنة 64 ق - بتاريخ 26 / 9 / 2020 *