العطاء المقدم بعد تحرير سعر الصرف – خارج عن نطاق تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1864 لسنة 2003 بتعويض المقاولون جزئيا عن تحرير سعر الصرف
إن الدولة قد أبصرت عن جنب تأثير تحرير سعر الصرف وما يمثله ذلك على مستوى الأسعار ارتفاعاً، وعلى المقاولين إرهاقاً، مما يعصف بميزانياتهم ويخل باقتصاداتهم، فتستحيل مكاسبهم خسارة، وتصير أرباحهم مديونية، لذلك حرصت على تقليل الأضرار التي حلت على المقاولين نتيجة لذلك، ولو جزئيا، إيماناُ منها بدور القطاع الخاص في دفع قاطرة التنمية العمرانية، ورغبة منها في تعزيز مكانته في الاقتصاد القومي من خلال المساهمة في خطط الدولة التنموية والمشاريع الحكومية، لذلك أثرت سن الأحكام ووضع الموجبات التي من شأنها مشاطرة المقاولين في أثار فعل قامت به، وذلك من خلال مشاركتها في نصيب من الخسائر التي قد تكون أصابتهم بسبب أقدامها على تحرير سعر الصرف، وعليه فقد أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار المشار إليه رقم 1864 لسنة 2003 وجاءت سطوره تنشد في فحواها هذه الغاية، وتصبو في أحكامها دعم المقاولين لاجتياز الأضرار التي عسى أن تكون قد أصابتهم من جراء ذلك، فنص على التعويضات المقرر صرفها للمقاولين لمواجهة هذا الأمر، وحددها في النسب التي ارتأت اللجنة الوزارية الخاصة بدراسة تعويضات المقاولين عن ارتفاع الأسعار الاسترشاد بها، وبما لا يجاوز 10% من الأسعار السابقة المتعاقد عليها على حجم الأعمال التي تم تنفيذها اعتبارا من 29/1/2003، وعلى هذا فأن ما تضمنه قرار رئيس مجلس الوزراء في تحديد تاريخ 29 من شهر يناير من عام 2003 كتاريخ تقدمت فيه العطاءات بشأن مشروعات طرحتها الجهات الإدارية، وكتاريخ نُفذت فيه الأعمال اعتبارا منه، يكون قد حدد المخاطبين بأحكامه المستفيدين من تلك التعويضات، بأنهم المقاولين الذين تقدموا بعطاءاتهم (او تعاقدوا) قبل 29/1/2003 وليس بعد ذلك، ثم نفذوا المشروعات اعتبارا من ذات التاريخ، أي نفذوا الأعمال في فترة لاحقة على تاريخ 29/1/2003، شريطة إلا يكون التأخير في تنفيذ الأعمال لأسباب راجعة إليهم، وهذا الفهم يعاضده ما جاء بالمادة الثانية من ذات القرار، حينما أناطت بلجنة نُص على تشكيلها، مهمة مراجعة وتحديد حجم الأعمال التي تم التعاقد عليها قبل ذات التاريخ ( 29/1/2003)، ومن ثم، فأن مقتضى ذلك ولازمه إن هذا التاريخ الأخير هو الذي يعول عليه في صرف التعويضات المذكورة، فلا تدخل في نطاق التعويضات الأعمال التي قُدمت عنها عروض بعد التاريخ المذكور حتى ولو تم تنفيذها اعتبارا من تاريخ لاحق على هذا التاريخ، وهذا الأمر يجد تفسيره في حكمة جلية، فحواها إن العطاءات المقدمة قبل هذا التاريخ (29/1/3003) قد صادفها زيادة أسعار مواد البناء وغيرها كأثر من آثار تحرير سعر الصرف، دون أن يملك أصحابها تعديلها أو إعادة ضبطها بما يتناسب مع تلك الزيادة لكونها قد قُدمت بالفعل وأرتبط أصحابها بالأسعار الواردة بها إمساكاً، وغلت يدهم عنها تغييراً، وهو الأمر الذي من أجله آثرت الدولة التدخل لتقاسم الخسائر معهم، فسنت الضوابط المشار إليها لتعويضهم جزئياً عن تلك الخسائر، وذلك بخلاف حال العطاءات التي قُدمت بعد تاريخ تحرير سعر الصرف فقد أدرك أصحابها مبلغ الزيادة في الأسعار التي طالت مواد البناء وغيرها نتيجة ذلك، وفطنوا إلى أهمية تقديم عروضهم وتحديد أسعارهم بالتوافق مع تلك الزيادة، على نحو يفترض معه إنهم قد راعوا في عروضهم هذه المسألة وشيدوا اقتصاديات عقودهم تبعاً لها، بما يتلاشى معه المبرر لتدعيمهم ومشاركة الدولة في أي خسارة يلوحون بها، والمسألة بهذه الصورة غير مستعصية الإدراك ويمكن تحصيل فهمها من التمعن في المغزى منها والهدف التي تصبو إليه أحكام هذا القرار، والتي استقرت على مشاركة جهة الإدارة بجزء من الخسارة فحسب التي حلت على المقاولين المتوفر فيهم الشروط المتقدمة، كنصيب تتحمله طواعية نتيجة تحرير سعر الصرف، باعتباره ظرفاً طارئاً طال العملية الجاري تنفيذها بمعرفتهم ولم يكن في مقدرتهم تحسبه أو دفعه أو الفكاك منه.
ومن حيث إن البين من الوقائع السالف بسطها، إن الجهة الإدارية طرحت مناقصة عامة لإنشاء ستين وحدة سكنية بمدينة رأس سدر، في العام المالي 2006/2007 ، أسفرت عن فوز الطاعن بها، فأُبرم معه عقداً في هذا الشأن بتاريخ 15/7/2007، وعليه فأن العطاء المقدم من الطاعن كان بتاريخ لاحق على التاريخ الذي ألمح إليه القرار المشار إليه لتحديد المخاطبين به وهو 29/1/2003، ومن ثم فأنه بذلك يخرج من عداد المخاطبين بأحكام قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه، لكون العطاء المقدم منه كان بعد التاريخ المذكور، أي قُدم في وقت كانت فيه الأسعار قد ارتفعت نتيجة تحرير سعر الصرف وأدرك الكافة مبلغ ارتفاعها، على نحو يفترض معه بالأحرى كون العطاء المقدم منه كان متحسباً فيه هذه الزيادة، فنتفي في الحالة الراهنة الحكمة التي توخاها المشرع من إصداره القرار المذكور، فلا يحق للطاعن بالتبعية الاستفادة من التعويضات المقررة فيه، وفقاً للتفصيل السالف شرحه.
الطعن رقم 26457 لسنة 49 ق .ع جلسة 28/5/2019