JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

لا يجوز ان تقضي ذات المحكمة مصدرة الحكم الباطل في التماس اعادة النظر في ذلك الحكم

 

لا يجوز ان تقضي ذات المحكمة مصدرة الحكم الباطل في التماس اعادة النظر في ذلك الحكم


وحيث إن المقرر قانونًا أن التماس إعادة النظر هو طريق غير عادى للطعن في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، يُرفع أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، إذا تحقق سبب أو أكثر من الأسباب التي حددتها المادة (241) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على سبيل الحصر، وهو لا يستهدف إصلاح الحكم موضوع الالتماس ولا يُقصد به تجريحه، وإنما يرمي إلى محو الحكم ذاته، ليعود مركز الملتمس في الخصومة إلى ما كان عليه قبل صدوره، ومواجهة النزاع من جديد للحصول على حكم آخر، بعد أن يتم التخلص من حجية الأمر المقضي. وبهذه المثابة وسَّد المشرع الاختصاص بنظر الالتماس إلى المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم المطعون فيه، باعتبار أن الطعن بهذا الطريق قد شُرع لتصويب ما شاب هذه الأحكام من تقديرات جانبها الصواب، مردها إلى الغش الذي أُدخِل على المحكمة في صور عدة، أبانت غالب حالاتها المادة (241) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، لترتبط تلك التقديرات بقضاء المحكمة ارتباط السبب بالمسبب مما أدى إلى التأثير في تقدير المحكمة، بحيث ما كان لهذا القضاء أن يصدر على النحو الذي صدر به، لو لم يقع في حومة ذلك الغش، ومع ذلك، وبالمخالفة لهذا الأصل، فإن المشرع في المادة (241) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المار ذكرها، جعل من بين أسباب الالتماس عيوبًا لا تتعلق بتقدير الوقائع، وإنما بخطأ في الحكم لم يطرأ بعد صدوره، بل علق به منذ نشأته، عائدًا إلى مسلك المحكمة ذاتها، ومن بين تلك الأسباب الحالة الواردة بالبند رقم (6) من تلك المادة، بشأن تناقض منطوق الحكم بعضه لبعض، والفرض في قيام الطعن بالالتماس لهذا الوجه أن التناقض لا يمكن رفعه بطريق التفسير طبقًا لما تنص عليه المادة (192) من القانون ذاته، ويعتبر الحكم الذي اعتراه هذا العيب باطلًا، كون تناقض المنطوق يساوي خلوه منه، إذ لا يمكن للحكم في الحالتين أن يحقق وظيفته، الأمر الذي تفارق معه تلك الحالة الأساس الذي قام عليه طريق التماس إعادة النظر، المتمثل في أن العيب الذي لحق بالحكم ليس لكونه لم يأت مطابقًا لإرادة القانون، وإنما لكون الوقائع التي ابتُنِيَ عليها مخالفة للحقيقة؛ مما أثر في تقدير المحكمة، وهو ما دعا التشريعات المقارنة، ومن بينها قانونا المرافعات الإيطالي والفرنسي، إلى استبعاد أسباب البطلان من حالات التماس إعادة النظر.
وحيث إن المسألة الدستورية المعروضة – دون الخوض في باقي حالات التماس إعادة النظر المنصوص عليها في المادة (241) من قانون المرافعات المدنية والتجارية – إنما تتحصل في جواز نظر الالتماس من هيئة محكمة مؤلفة من نفس القضاة – أو بعض منهم – الذين أصدروا الحكم الملتمس فيه، المنعي عليه بتناقض منطوقه بعضه لبعض، على نحو يوجب القضاء بإلغائه، فيما لو صح النعي عليه بالسبب المتقدم بيانه، بما لذلك من أثر على مبدأ تجرد القاضي وحيدته، واطمئنان المتقاضي إلى تحقق الأمرين معًا أثناء نظر الالتماس.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية المنصوص عليه في المادة (184) من الدستور، وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم. إلا أن حيدة تلك السلطة – التي حرص الدستور القائم على النص عليها في المـــــادة (186) منه - تُعـــــد عنصرًا فاعلًا في صـــــون رسالتها لا يقل شأنًا عن استقلالها، بما يؤكد تكاملهما، ذلك أن استقلال السلطة القضائية يعني أن تعمل بعيدًا عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها، فيميلون معها عن الحق إغواءً أو إرغامًا، ترغيبًا أو ترهيبًا، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملًا من جانبهم على أحد الخصوم وانحيازًا لغيره، كان ذلك منافيًا لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية، ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالًا قاتمة حول حيدته، فلايطمئن إليه متقاضون داخلهم الريب فيه، بعد أن صار نائيًا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية. يؤيد ذلك:
أولًا: إن إعلان المبادئ الأساسية في شأن استقلال القضاة التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 29/11/1985، و13/12/1985، يؤكدان أن القضاة يفصلون ــــ في إطار من الحيدة ـــــ فيما يعرض عليهم من منازعات على ضوء وقائعها ووفقًا للقانون، غير مدفوعين بتحريض، أو معرضين لتدخل بلا حق، أو مُحملين بقيود، أو ضغوط، أو تهديد ـــــ مباشرًا كان أو غير مباشر ـــــ أيَّا كان مصدرها أو سببها. وذلك بمراعاة أن القواعد التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذا النحو، وإن لم تكن لها قوة إلزامية تكفل التقيد بها، إلا أن النزول عليها ما زال التزامًا أدبيًّا وسياسيًّا، وهي فوق هذا، تعبر عن اتجاه عام فيما بين الدول التي ارتضتها، يتمثل في توافقها على تطبيقها.
ثانيًا: إن استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة، وإن كفلتهما المادتان (184، 186) من الدستور، توقيًا لأي تأثير محتمل قد يميل بالقاضي عن ميزان الحق، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون. وهذا المبدأ الأخير لا يحمي فقط استقلال القاضي، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة، وهو أمر يقع - غالبًا- إذا فصل القاضي في نزاع سبق أن أبدى فيه رأيًا؛ ومن ثم تكون حيدة القاضي شرطًا لازمًا دستوريًّا لضمان ألّا يخضع في عمله لغير سلطان القانون.
ثالثًا: إن انصباب ضمانتي استقلال السلطة القضائية وحيدتها معًا على إدارة العدالة ضمانًا لفعاليتها، مؤداه بالضرورة تلازمهما، فلا ينفصلان. ومن غير المتصور أن يكون الدستور نائيًا بالسلطة القضائية عن أن تقوض بنيانها عوامل خارجية تؤثر في رسالتها، وأن يكون إيصالها الحقوق لذويها مهددًا بالتواء ينال من حيدة وتجرد رجالها، وإذا جاز القول ــــ وهو صحيح ــــ بأن الفصل في الخصومة القضائية ــــ حقًّا وعدلًا ــــ لا يستقيم إذا داخلتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر عنها، أيًّا كانت طبيعتها وبغض النظر عن مصدرها أو دوافعها أو أشكالها، فقد صار أمرًا مقضيًّا أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافًا، ترجيحًا لحقيقتها القانونية، لتكون لهما معًا القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداها على أخراها أو تجُبها، بل يتضاممان تكاملًا، ويتكافآن قدرًا.
رابعًا: إن ضمانة المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور بنص المادة (96)، تعني- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون لكل خصومة قضائية قاضيها، ولــو كانت الحقــــوق المثـــــارة فيهـــا من طبيعــــة مدنيــــة، وأن تقــــوم على الفصــل فيها ــــ علانية وإنصافًا ــــ محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، يتمكن الخصم في إطارها من إيضاح دعواه، وعرض أدلتها، والرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حججهم على ضوء فرص يتكافأون فيها جميعًا، ليكون تشكيلها، وقواعد تنظيمها، وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملًا مُحددًا للعدالة مفهومًا تقدميًّا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
خامسًا: إن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة (97) من الدستور، مؤداه: أن لكل خصومة ــــ في نهاية مطافها ــــ حلًّا منصفًا يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقًا لأحكام الدستور، وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائدًا إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معًا. ذلك أن هاتين الضمانتين ـــــ وقد فرضهما الدستور على ما تقدم ــــ تعتبران قيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق. ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
وحيث إن الدستور قد اعتمد نص المادة (4) منه مبدأ العدل، باعتباره - إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص - أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، يستلهمه المشرع وهو بصدد مباشرة سلطته في التشريع. وإذا كان الدستور – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – قد خلا من تحديد معنى العدالة، فإن المقصود بها ينبغي أن يتمثل فيما يكون حقًّا وواجبًا، سواء في علائق الأفراد فيما بينهم، أو في نطاق صلاتهم بمجتمعهم، بما مؤداه أن العدالة – في غايتها – لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلًا لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان مُنهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومستوجبًا تغييره أو إلغاءه.
وحيث إن القيود التي فرضها الدستور على سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحقوق ــــ ومن بينها صون ضمانة الحيدة ــــ تعتبر حدًّا لتلك السلطة ترسم تخومها، وتبين ضوابطها، فلا يجوز الخروج عليها، لتظل الدائرة التي لا يتنفس الحق أو الضمانة محل الحماية إلا من خلالها، بعيدة عن عدوان السلطة التشريعية، فلا تنال منها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها.
وحيث إنه متى كان ما تقـــــــدم، وكان مــــن المقرر أن مبدأ خضـــوع الدولــــــة للقانون ــــ محددًا على ضوء مفهوم ديمقراطي ــــ مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق والضمانات التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية، مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة القانونية، ومن ثم فلا يجوز أن يكون العمل القضائي موطئًا لشبهة تداخل تجرده، وتثير ظلالًا قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه، بعد أن صار نائيًا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان لا يتصور ــــ والنفس بطبيعتها لا تميل إلى تخطئة تصرفاتها ــــ أن تنظر هيئة المحكمة بذات تشكيلها، أو بعض من أعضائها، التماس إعادة النظر في الحكم الصادر عنها، مبلورةً به قضاءً انتهت إليه، وأبانته في منطوق حكمها المنعي عليه بتناقض بعضه لبعض، وهو على ما تقدم، إن صادف صحة واقتضى قبولًا، يُعد إقرارًا بخطأ الحكم، مفضيًا إلى إبطاله لسبب لازمه عند صدوره، وما يتأدى إليه ذلك من وجوب إلغاء الهيئة ذاتها لحكمها، بمراعاة ما قد تختلج به صدور فئة من قضاة الالتماس – قليلة كانت أم كثيرة – من وصم قضائها بالبطلان، ومن ثم لم يجز، انتصافًا لضمانة الحيدة وتوكيدًا لها، وضنًّا بأحكام القضاء من أن تعلق بها استرابة المتقاضين، أن تكون هيئة محكمة التماس إعادة النظر – أو أي من أعضائها – ممن شاركوا في إصدار الحكم الملتمس فيه، وكان النص المطعون فيه، في النطاق المحدد سلفًا، قد جرى على غير هذا المنحى، فإنه يكون مخالفًا لأحكام المواد (4 و94/2 و96 و97 و184 و186) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم دستوريته
حكم المحكمة الدستورية العليا جلسة ٦ يناير ٢٠٢٤ في الدعوي رقم ٩٥ لسنة ٤٣ ق دستورية
الاسمبريد إلكترونيرسالة

نموذج الاتصال
الاسمبريد إلكترونيرسالة